بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم الطيبين ولا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمين وأصلي وأسلم على أئمة الكتاب الأبرار وآل بيتهم الأطهار وعلى جميع أنصار الله الواحد القهار السابقين منهم واللاحقين المستقدمين والمستأخرين في كل زمان ومكان إلى اليوم الآخر
السلام على خليفة الله وعبده الإمام المهدي المنتظر ناصر محمد اليماني ورحمة الله وبركاته السلام على كافة إخوتي الأنصار الأبرار السابقين الأخيار وجميع الباحثين والزوار ورحمة الله وبركاته ثم أما بعد:
شكرا لأخي وحبيبي في الله وليد وقد صدقت بأن الرضاعة لحولين كاملين هي لمن أراد أن يتم الرضاعة وليست إجبارية وقد تدبرت ذلك من قبل ولم أشاء أن أنزل ما تدبرته وبارك الله بك حبيب قلبي وليد وسفينة النجاة والأخ الحبيب ياسين.
وما أردت أن أضع السؤال لخليفة الله فوالله إنه إستثقلني هذا السؤال رغم أهميته ورغم أن صاحبه يريد عليه جوابا منذ أكثر من تسعة أشهر وأما السبب فإنك يكمن في الإلتزام والعمل بما علمنا إياه خليفة الله في بيان القرآن وما علمنا إلا لنتعلم ونعمل بما تعلمنا فلا نأخذ بعض ما تعلمناه لنعمل به ثم نترك الباقي وسنجد ما علمنا إياه خليفة الله في الآيات التاليات من قول الله تعالى:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ} [الحشر:٧].
وكذلك قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٣﴾} [المجادلة].
صلوات ربي عليك يا خليفة الرحمن وسلم تسليما كثيرا بأبي أنت وأمي فلن نكون إليك إلا كما كان سعد ابن أبي وقاص لمحمد رسول الله ولا بد لنا أن نكون كذلك وإلا لن نضر الله شيئا وسيستبدلنا الله بغيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا وما ذلك على الله بعزيز.
ويا حبيبي وقرة عيني وليد إن الذي طلبت بيانه من الإمام عليه السلام هو كيف تتم المرأة رضاعتها لحولين كاملين إن أرادت أن تفعل ذلك فهل علمنا الله بوسيلة إلى ذلك كون المرأة لو شاءت أن تكمل الرضاعة لحولين فهل هذا يعني أنها لن تحمل إن واصلت الرضاعة فلم تقطعها كون الأمر الإلهي إن تم تنفيذه حين يكون إختيارياً إذاً فلا بد من أن يكون هناك بيان إلاهي إرشادي لتنفيذ ذلك الأمر الإختياري ما فرط الله في الكتاب من شيء وإن هذا البيان الإرشادي لتنفيذ ذلك الأمر الإختياري سيحدد إما أن تواصل المرضع الرضاعة فيكون مواصلة رضاعتها سبب في توقف الحمل حتي تقطعها والمواصلة تعني أن لا ترضع الطفل برضاعة صناعية بل رضاعة طبيعية لا يخالطها شيء وهذا ما أقصده بالمواصلة التي قد تكون سبب في توقف الحمل وهكذا فلا بد أن يكون هناك بيان إرشادي لمن أراد أن ينفذ أمر الرضاعة الإختياري لحولين كاملين فيعلمنا كيف تجعل المرأة حليبها مستمر فلا تتعرض للحمل حتى تنهي الحولين؟ وهذا ما طلبت بيانه!
وأما ما فهمته من قول الله تعالى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233].
فأما قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ}, فذلك هو الرجل الذي أنجبت المرأة منه فلزمه رزقهن وكسوتهن بالمعروف وأما قوله تعالى:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}, فإضرار الأم بولدها ليس من ناحية كسوته والإنفاق عليه كونها ليست المأمورة بالنفقة بل الزوج هو الذي ينفق وعليه رزقهن وكسوتهن, وأما كيف تضر الأم ولدها وذلك بأن تقطع رضاعته فلا تكملها لحولين كاملين كون بعض الأطفال تكون شهيتهم غير مفتوحة للأكل على الرغم من أن الطفل جائع فإن جاءت أمه لتطعمه فلا تفعل ذلك إلا بشق الأنفس وأحياناً إن أصرت على إطعامه فإنه قد يتقياء ما أكله لذلك فإن هذا الطفل الرضيع يلزم أمه أن تستمر بإرضاعه طبيعياً حتى تتم الحولين وإنما تزيده ببعض الأكلات زيادة إلى لبنها كون أكله خفيف لن يكون مشبعا للطفل لذلك وجب عليها أن لا تضره فيضل جائع بل تستمر بإرضاعه طبيعيا للحولين فيكون من بعد ذلك قد تحسن مستواه في الأكل وغيره. وضرر الأم يشمل الطفل الرضيع ويشمل الجنين فوجب عليها أن لا تضر رضيعها بأن تمنعه من الرضاعة لأي سبب. منها الحمل لذلك إن كان الحمل سيضر بالرضيع فلا يتماسا بما يؤدي إلى الحمل وأما الضرر على الجنين فيكون حين تواصل إرضاع المولود الذي قد يكون ذلك سبباً في نقص غذاء الجنين بينما قد لا يكون حليب الحامل مفيداً للرضيع فيشمل الضرر كليهما. وكذلك يشترك في إضرار الأم الأب الذي قد يكون عدم تنازله عن بعض حقه سبباً في حمل الزوجة
وأما القول في قوله تعالى:
{وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ}، فهل المقصود بالمولود له أنها إشارة للأب الذي كان السبب في إنجاب الأم منه بدليل ما سبق في الآية حين قال تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ}, أي الذي يكون الولد له فهو أباه فلا يضر الأب بولده بسبب عدم تنازله عن بعض حقه مع زوجته فيؤدي ذلك إلى حمل الأم مما قد يؤثر ذلك على الولد فيقل غذائه وقد تستمر الأم بالرضاعة رغم الحمل فيتأثر الجنين نقص غذائه فيكون الأب شريكاً في الضرر ولكن هذه النقطة متعلقة بحقيقة إستطاعة الأم إرضاع ولدها حتى وإن كانت حاملا دون أن يؤثر ذلك على الرضيع ثم بالتالي سيكون ذلك مؤثراً على الجنين بنقص غذائه وهنا يكون ضرراً آخر فلا يجوز تعديه سواء من قبل الأم أو الأب مجتمعين أو متفرقين.
وأما قوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ }، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:١٩].
والوارث هنا هو زوج المرأة من بعد طلاقها من زوج آخر فإن كان لديها ولد وما يزال طفلاً فلا يضر الزوج بحق ذلك الولد بأن يحرمه الرضاعة الكاملة من أمه إن كانت هي الوسيلة المثلى لإطعامه كما سبق شرحه في ضرر الأم بولدها والضرر يشمل الولد سواء كان طفلاً أو ما دون ذلك حتى يصل السن الذي ينتفي فيه الضرر عنه. وقد يتبادر للذهن سؤالاً هو لماذا لا يكون الوارث هو الأب للأولاد وهو الزوج كون الأب يرث زوجته ويرث أبنائه؟ ثم نقول ولكن الله قال:{وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ}، كون الوارث لن يضر بولده بل سيضر بولد الزوجة من زوج آخر وأما الذي سيضر بولده فقد ذكره قوله تعالى:{وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ}, وننهي بذلك الضرر بحق الأولاد من قبل الأب والزوج.
ونأتي الآن للتيسير للزوجين أمام معضلة الضرر على الولد فنبداء بقول الله تعالى:
{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:٢٣٣].
فأما قول الله تعالى:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ}, ففي لك تخفيف لما سبقها من القول وما سبقها هو الضرر الذي قد يسببه الوالد في حق ولده أو الزوج الوارث في حق ولد زوجته, ثم جعل الله حلاً لتلافي ذلك الضرر بأن ينفصل الزوج والزوجة, وليس الإنفصال هنا بمعنى الطلاق؛ فكيف يكون طلاقا وهو عن تراضٍ وتشاور؟ وإنما الإنفصال يكون عن الإلتماس بالجماع حتى لا يتسببا بما يضر الولد فيحرمه حقه منها إكمال الرضاعة لحولين كاملين حين لا يكون هناك بديل غيرها لإشباع الولد, وقد لا يشترط أن يكون الإنفصال بالإلتماس كلياً وإنما قد يكون في فترات معينة ومتفرقة أو أن يكون بعدم وضع الرجل لبذوره في حرثه بل يضعها خارج الحرث.
وبما أن هذا الإنفصال قد يكون مضرا بأحد الزوجين من الناحية النفسية فلا يريد أحدهما ترك الآخر بالإنفصال الكلي المؤقت أو الجزئي, لذلك جعل الله تطبيق ذلك الأمر عن تراض وتشاور بين الزوجين.
ولكن قد لا يتراض الزوجين بسبب عدم قدرة أحدهم على تحمل ذلك الإنفصال فهنا زادهم الله بأمر ثالث ييسر عليهم الحال فالدين يسر وما جعل الله علينا في الدين من حرج. لذلك حتى لا يكون هناك ضرر من الأم والأب أو الزوج على الولد ولا ضرر عليهم أنفسهم, بسبب الإنفصال, فلذلك أذن الله للزوجين ترك خيار الإنفصال وممارسة تماسهما, ومن ثم اللجوء إلى إسترضاع مرضعة أخرى حتى لا يحرم الولد من حقه في الرضاعة الكاملة ولذلك قال تعالى:
{وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:٢٣٣].
ومن ثم جعل الله شرط الإسترضاع في قوله تعالى:{إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ } صدق الله العظيم.
فتلك هي حالات الوالد مع زوجته وأولاده في الوضع العادي وكذلك حالة الزوجة مع زوجها من بعد طلاقها من زوجها الأول وإنتهاء أجلها بوضعها ثم زواجها بآخر وتبقى لدينا حالة وهي وضع الزوجة والولد في مرحلة الطلاق أثناء الحمل ومن قبل إنتهاء الأجل بوضع الحمل وذلك سنلقاه في قول الله تعالى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ}
صدق الله العظيم, [الطلاق:6].
وهذا ما استطعت أن أفهمه وأتدبره من آيات الإرضاع في السؤال الذي وضعته وما زال السؤال قائماً حتى في هذه المشاركة وقد لونته بالأحمر, فلعل خليفة الله يفتينا بالخبر اليقين إذا شاء الله ذلك وإن لم يشاء فإلى حين وسلام على الإمام العليم وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.