- 6 -
الإمام ناصر محمد اليماني
13 - 04 - 1431 هـ
28 - 03 - 2010 مـ
12:16 صـــباحاً
ـــــــــــــــــــــ
{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }
صدق الله العظيم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأنّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} صدق الله العظيم [التوبة:١١١].
وفي هذا الآيات جعل الله الإعلان في التوراة وفي الإنجيل وفي القرآن لكافة الإنس والجان بالتعامل المادي بينهم وبين ربهم فأعلن لهم الثمن وعرّف لهم المُقابل، فأمّا إعلان الثمن فهو قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بأنّ لَهُمْ الْجَنَّة}، وأما المطلوب منهم مقابل ذلك فهو في قول الله تعالى: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} صدق الله العظيم [التوبة:١١١].
ومن ثم تجدون أنّ الله أصدقهم الثمن مبُاشرةً فور موتهم. وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٧١﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
ولكن المهديّ المنتظَر يعلن للأنصار وكافة البشر إعلاناً آخر في مُحكم الذكر ولكنه إعلانُ فضلٍ آخر من الله وهو أن يحبّهم ويحبّونه. تصديقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} صدق الله العظيم [المائدة:٥٤].
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: فكيف يرضيهم الله يوم لقائه وذلك لأنهم لن يرضوا أبداً بجنته لأنهم لم يبيعوا أنفسهم وأموالهم مقابل ذلك؛ بل المقابل من الله أن {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} صدق الله العظيم! والسؤال الذي يطرح نفسه على أحباب الله: فهل سيرضون بنعيم الجنة وحورها وقصورها ومن يحبهم ويحبونه حزينٌ ومُتحسرٌ على عباده الذين ظلموا أنفسهم وهو يسمع عباده في النار {يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}؟ [فاطر:37]. ألا والله لو قالوا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} صدق الله العظيم [الأعراف: 23]، لنالهم الله برحمته ولقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} صدق الله العظيم [الأعراف:49].
فيجيبهم كما أجاب الكفار أصحاب الأعراف من الذين لم يقِم الله عليهم الحجّة ببعث الرسل وهم الذين يموتون من القرى من قبل أن يبعث الله فيهم رسولاً، ولذلك ألهمهم الله أن يسألوه رحمته وأن لا يجعلهم مع القوم الظالمين المكذبين برسل ربهم. وقال الكافرون من أصحاب الأعراف: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:47].
ومن ثم جاءت الإجابة من الله أرحم الراحمين وقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} صدق الله العظيم. وذلك تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} صدق الله العظيم [الإسراء:15].
وما يريد المهديّ المنتظَر هو من أظهره الله على أمرنا ولم يصدق وتوفاه الموت من قبل التصديق وظهور المهديّ المنتظَر فإني أحمّله رسالة من الإمام المهديّ إلى أصحاب النار أن لا يسألوا الله الرجعة كمثل قولهم: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} صدق الله العظيم [المؤمنون:99-100].
بل يقولون: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} صدق الله العظيم [الأعراف:٢٣].
وعليك أن تخبرهم يا من كذبت بأمرنا أنّ الله كتب على نفسه الرحمة فلا يسألوه الرجعة؛ بل يسألوه رحمته التي كتب على نفسه ويقولوا: "اللهم إنك أرحم بنا من أمهاتنا وأنت أرحم الراحمين فلا بدّ أنك حزينٌ علينا بسبب ظلمنا لأنفسنا، اللهم نسألك بحق عظيم رحمتك التي وسعت كُل شيء أن تخرجنا من نارك برحمتك فتدخلنا جنتك برحمتك، فمن ذا الذي هو أرحم بنا من ربنا الرحمن الرحيم". ولن ينكر الله صفة رحمته بعباده فسُرعان ما يأتيكم الردّ من الله الرحمن الرحيم، ولكن مُشكلة أصحاب النار هي اليأس من رحمة الله، ألا وإنّ اليأس من رحمة الله لمن صفات إبليس ولذلك يُسمي الله اليائسين من رحمته بالمُبلسين. وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿٧٤﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٥﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].
وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:٤٤]، أي فإذا هم يائسون من رحمة الله كما يئس إبليس، فلِمَ تقلدون إبليس في اليأس من رحمة الله؟ وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} صدق الله العظيم [يوسف:٨٧].
فأنتم يا أصحاب النار لا تزالون كافرين برغم أنكم تصطرخون في نار جهنم ولكنكم لا تزالون كافرين وكفركم هو اليأس من رحمة الله. تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} صدق الله العظيم [يوسف:٨٧].
ولذلك تلتمسوا الرحمة من عبيده و هم أدنى رحمة من الله. وقال الله تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} صدق الله العظيم [الأعراف:٥٠].
ولكنكم لم تجدوهم يرحموكم فيعطوكم؛ بل سيقولوا لكم: {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} صدق الله العظيم [الأعراف:٥٠].
وكذلك يا معشر الكُفار برحمة الله أرحم الراحمين، أراكم تلتمسون الرحمة من خزنة جهنم فتقولون: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ} صدق الله العظيم [غافر:٤٩]، فهل وجدتموهم رحموكم بل قالوا: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَىٰ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} صدق الله العظيم [غافر:٥٠]، فانظروا لفتوى الله الحقّ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} صدق الله العظيم. وذلك لأنكم يائسون من رحمته وتلتمسون الرحمة من عبيده فتدعونهم أن يشفعوا لكم بين يدي الله. وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم [الأعراف:٥٣].
ويا لعجب قولكم يا معشر الكافرين! فكيف تقولون: {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}، ومن ثم تنطقوا بالباطل فتقولوا: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم! ويا سبحان ربي فوالله لم تعرفوا الحقّ بعد. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا} صدق الله العظيم [الإسراء:٧٢].
فكيف أنّكم تقرون وتعترفون بالحقّ بقولكم {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} ومن ثم تسألون الرحمة من عباده من دونه أن يشفعوا لكم بين يدي الله أرحم الراحمين بقولكم: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم؟
فانظروا لقول الله تعالى: {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم، إذاً لا تزالون كُفاراً بأرحم الراحمين وذلك هو سبب بقاؤكم في نار جهنم. وقال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ} صدق الله العظيم [يوسف:١٠٦].
يا أيها الناس، ذروا الخلق وتوجهوا بقلوبٍ مُخلصةٍ إلى الخالق الذي ليس كمثله شيء الله أرحم الراحمين، وبما أنه أرحم الراحمين ولذلك لا ينبغي أن تجدوا في أرضه وسماواته من هو أرحم بكم من الله لا في الدُنيا ولا في الآخرة إنّني لكم ناصحٌ أمينٌ ذروا تعظيم العبيد بغير الحقّ ولا نمنعكم من الثناء على عباد الله المُكرمين. وإنما التعظيم هو أن تجعلوا التكريم لهم حصرياً من دونكم ولذلك لا تطمعون أن تكونوا مثلهم مُكرّمين ولذلك جعلتموهم حداً بينكم وبين الله وترجون شفاعتهم فأشركتم بالله، فكيف السبيل لنخرجكم من عبادة العبيد إلى عبادة الربّ المعبود الله أرحم الراحمين.
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخو البشر في الدم من حواء وآدم عبد النعيم الأعظم؛ الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــ